جريمة التستر التجاري وعقوبته

جريمة التستر التجاري وعقوبته

جريمة التستر التجاري وعقوبته من الأمور الهامة في ظل التطورات المستمرة التي تشهدها المملكة العربية السعودية ضمن رؤية 2030، وأصبح من الضروري تعزيز الشفافية الاقتصادية ومحاربة الممارسات غير المشروعة التي تُهدد النزاهة في بيئة الأعمال، من بين هذه الممارسات، تُعد جريمة التستر التجاري وعقوبته أحد أخطر الظواهر التي تستهدف النظام التجاري وتُقوض أهداف التنويع الاقتصادي، لذلك اذا كنت مهتم بمعرفة جريمة التستر التجاري وعقوبته، عليك قراءة هذا المقال.

يُعرف التستر التجاري بأنه قيام أجنبي بممارسة نشاط تجاري في المملكة تحت غطاء ترخيص سعودي، سواء كان ذلك عبر شخص سعودي أو شركة سعودية، دون أن يكون له الحق القانوني في ذلك. ورغم صعوبة اكتشافه أحيانًا، إلا أن الدولة اتخذت إجراءات صارمة لمكافحته، من خلال نظام مكافحة التستر التجاري، الذي يُعد من الأدوات القانونية الفعّالة لحماية الاقتصاد الوطني.

يهدف هذا المقال إلى تقديم دليل شامل حول التستر التجاري في النظام السعودي، بدءًا من تعريفه، شروطه، الإجراءات القانونية لمكافحته، وصولًا إلى العقوبات المفروضة وفقًا لأحدث الأنظمة.

محتوى المقال

ما هو التستر التجاري؟ التعريف القانوني والشرعي

التعريف القانوني

وفقًا لنظام مكافحة التستر التجاري الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/131 وتاريخ 1442ه، يُعرّف التستر التجاري بأنه:

“ممارسة نشاط تجاري في المملكة من قبل غير السعودي أو غير المُصرّح له قانونًا، تحت اسم أو ترخيص أو رخصة تعود ملكيتها أو إدارتها إلى سعودي أو شركة سعودية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر”.

التعريف الشرعي

في الفقه الإسلامي، يُعد التستر نوعًا من الغش والتدليس، وهو محرم شرعًا، حيث قال النبي ﷺ: “من غشنا فليس منا”. كما أن التستر يُخالف مبدأ العدل في المعاملات، ويُعد خداعًا للدولة والمجتمع.


أنواع التستر التجاري الشائعة في السوق السعودي

تتنوع أشكال التستر التجاري حسب طبيعة النشاط وطريقة التمويه. ومن أبرز الأنواع:

التستر عبر فرد سعوديقيام أجنبي بدفع مبلغ لسعودي لاستخدام اسمه في ترخيص نشاط تجاري.
التستر عبر شركة سعوديةاستخدام شركة مملوكة لسعوديين كغطاء لإدارة نشاط أجنبي.
التستر في مهن حرةمثل مكاتب المحاماة، الاستشارات، أو العيادات الطبية.
التستر في المقاولات والتجارة الإلكترونيةعبر منصات رقمية أو عقود وهمية.
التستر بالوكالة أو التفويضمنح وكالة رسمية لشخص أجنبي لإدارة النشاط بالكامل.

شروط التستر التجاري: متى يُعد النشاط تجاريًا “مُستترًا”؟

لكي يُعتبر نشاط ما “تسترًا تجاريًا”، يجب توفر عدة شروط قانونية، تُحدد من خلالها نية المخالفة ومدى السيطرة الفعلية على النشاط:

  1. وجود نشاط تجاري فعلي
    • مثل بيع سلع، تقديم خدمات، أو إدارة منصة إلكترونية.
  2. مزاولة النشاط من قبل غير السعودي
    • سواء كان مقيمًا أو زائرًا، دون ترخيص نظامي.
  3. استخدام ترخيص أو رخصة سعودية
    • باسم فرد سعودي أو شركة سعودية.
  4. السيطرة الفعلية للأجنبي على النشاط
    • مثل اتخاذ القرارات، إدارة الموظفين، أو التحكم في الأرباح.
  5. عدم وجود علاقة شرعية أو تعاقدية نظامية
    • مثل عقد عمل، شراكة قانونية، أو وكالة نظامية.

ملاحظة: لا يُعد التوظيف أو الشراكة القانونية تسترًا، طالما كانت ضمن الأطر النظامية.


الجهات المختصة بمكافحة التستر التجاري في السعودية

تُشارك عدة جهات حكومية في مكافحة التستر التجاري، كلٌّ في نطاق اختصاصه:

وزارة التجارةتتلقى البلاغات، وتُحقق في المخالفات.
الهيئة العامة للزكاة والدخل (ZATCA)تُراقب الأنشطة الضريبية المشبوهة.
المركز الوطني لمكافحة التستريُنسق بين الجهات، ويوفر منصة “معا للإبلاغ”.
النيابة العامةتُباشر القضايا الجنائية، وتُصدر الأوامر بالقبض.
المحكمة التجاريةتنظر في القضايا، وتُصدر الأحكام.
الجمارك السعوديةتراقب الشحنات المشبوهة المرتبطة بأنشطة غير نظامية.

كيفية الإبلاغ عن التستر التجاري: خطوات عملية

أطلقت الدولة منصة إلكترونية لتسهيل الإبلاغ عن حالات التستر، وتُعد أداة فعّالة في كشف المخالفات.

الدخول إلى منصة “معا للإبلاغ”

اختيار نوع البلاغ

  • “تستر تجاري”
  • “بيع بالأسعار المُعلنة”
  • “تقليد علامات تجارية”

تعبئة البيانات

  • وصف النشاط.
  • اسم المنشأة أو الشخص.
  • رقم السجل التجاري.
  • مستندات داعمة (صور، فيديوهات، إيصالات).

إرسال البلاغ

  • يُعالج البلاغ خلال 48 ساعة.
  • تُجرى معاينة ميدانية من قبل مفتشي وزارة التجارة.

ملاحظة: يُمكن للبلاغ أن يكون مجهولًا، وتحمي الدولة هوية المُبلغ.


عقوبات التستر التجاري في النظام السعودي

أقرت المملكة عقوبات صارمة لمكافحة التستر التجاري، تُعد من أشد العقوبات في المنطقة، وذلك لردع المخالفين وحماية الاقتصاد.

أولًا: العقوبات المالية

  • غرامة مالية تصل إلى 5 ملايين ريال على كل مخالفة.
  • مصادرة الأرباح غير المشروعة الناتجة عن النشاط.
  • مصادرة البضائع أو المعدات المستخدمة في النشاط.

ثانيًا: العقوبات الإدارية

  • إغلاق المنشأة فورًا.
  • إلغاء السجل التجاري.
  • منع المُتستر عليه (السعودي) من ممارسة أي نشاط تجاري لمدة 5 سنوات.

ثالثًا: العقوبات الجنائية

  • السجن لمدة تصل إلى 5 سنوات.
  • ** deportation (ترحيل) للأجنبي المُتستر**.
  • منع دخوله للمملكة مستقبلاً.

وفقًا للمادة (6) من نظام مكافحة التستر: “يعاقب كل من يُثبت تورطه في التستر بالسجن مدة لا تزيد عن خمس سنوات، وبغرامة لا تتجاوز خمسة ملايين ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين”.


حالات واقعية لعقوبات التستر التجاري (أمثلة)

متجر إلكتروني يُدار من قبل أجنبي

  • الواقعة: أدار أجنبي متجرًا إلكترونيًا عبر منصة محلية، باستخدام سجل تجاري لسعودي.
  • النتيجة: تم إغلاق المتجر، وسُجن السعودي 3 سنوات، وغرّم الأجنبي 2 مليون ريال، ثم تم ترحيله.

عيادة طبية يُديرها غير سعودي

  • الواقعة: قام طبيب مصري بإدارة عيادة تجميل باسم زوجته السعودية.
  • النتيجة: سُحبت الترخيص الطبي، وسُجن الزوج 4 سنوات، وغرّم 3 ملايين ريال.

وكالة توظيف وهمية

  • الواقعة: استخدم وافد ترخيص شركة سعودية لتقديم خدمات توظيف وهمية.
  • النتيجة: تم تجميد الحسابات البنكية، وسُجن المُتستر عليه، وحُجز الأصول.

الفرق بين التستر التجاري والأنشطة المشروعة

قد يُخلط البعض بين التستر التجاري والأنشطة المشروعة. وفيما يلي جدول يوضح الفرق:

الملكية الفعليةأجنبي يتحكم بالنشاطسعودي أو شركة سعودية تملك وتدير
التسجيل النظاميغير مُسجل وفق الأنظمةمُسجل في وزارة التجارة
العلاقة التعاقديةلا توجد شراكة قانونيةعقد عمل أو شراكة نظامية
الإيراداتتُحوّل للوافد بشكل سريتُسجل في الحسابات الرسمية
العقوباتجنائية وماليةلا عقوبات إن كان نظاميًا

دور المستثمر الأجنبي في السوق السعودي: كيف يتجنب التستر؟

لا يُمنع الاستثمار الأجنبي في السعودية، بل يُشجع عليه، شريطة الالتزام بالأنظمة.

طرق شرعية للاستثمار دون تستر

  1. الاستثمار عبر شركة أجنبية مرخصة (مثل فتح فرع).
  2. الشراكة مع سعودي بنظام رسمي (بموجب عقد شراكة مسجل).
  3. العمل كموظف أو مستشار (بتصريح عمل نظامي).
  4. الاستفادة من برنامج الاستثمار الأجنبي التابع لوزارة الاستثمار.

نصيحة: استشر محاميًا متخصصًا في القوانين التجارية قبل بدء أي نشاط.


العقوبات على السعودي الذي يُستخدم كغطاء (المُتستر عليه)

لا يُعاقب الأجنبي فقط، بل يُعاقب أيضًا السعودي الذي يُقرض اسمه أو سجله التجاري، لأنه يُعد شريكًا في الجريمة.

عقوبات المُتستر عليه:

  • السجن حتى 5 سنوات.
  • غرامة تصل إلى 5 ملايين ريال.
  • إلغاء السجل التجاري.
  • منع من ممارسة النشاط التجاري لمدة 5 سنوات.
  • فقدان الثقة من الجهات الحكومية.

تحذير: لا تُقرض اسمك أو سجلك لأي شخص، مهما كانت العلاقة.


كيف تحمي نفسك من الوقوع في التستر التجاري؟

نصائح للسعوديين:

  • لا تُقرض سجلك التجاري لأي شخص.
  • تأكد من أن الشراكة موثقة قانونيًا.
  • لا تُمنح وكالات مطلقة للأجانب.
  • راجع حسابات الشركة باستمرار.

نصائح للأجانب:

  • لا تُدير نشاطًا دون ترخيص نظامي.
  • لا تدفع “مبالغ” لسعودي لاستخدام اسمه.
  • استخدم القنوات الرسمية للاستثمار.
  • تواصل مع وزارة الاستثمار للحصول على التراخيص.

الأدلة المطلوبة لإثبات التستر التجاري

تُعتمد المحاكم السعودية على أدلة مادية ورقمية لإثبات التستر، منها:

تسجيلات مكالماتتُثبت توجيه الأوامر من أجنبي.
تحويلات ماليةتُظهر تحويل الأرباح للوافد.
عقود وهميةتُثبت تزوير العلاقة التعاقدية.
شهادة موظفينتُثبت أن الأجنبي هو المُدير الفعلي.
بيانات منصة معا للإبلاغتُستخدم كمصدر أولي للتحقيق.
تقارير مفتشي وزارة التجارةتُعد من الأدلة القوية.

وفقًا للمادة (8) من النظام: “تُعتبر التحقيقات التي تُجريها الجهة المختصة دليلًا مقبولاً في إثبات التستر”.


الأسئلة الشائعة حول التستر التجاري (FAQ)

1. هل يُعد التوظيف تسترًا؟

لا، طالما كان العامل تحت عقد نظامي، ولا يملك صلاحيات اتخاذ القرار.

2. ماذا لو كان الأجنبي شريكًا قانونيًا؟

لا يُعد تسترًا إذا كانت الشراكة مسجلة في وزارة التجارة وفق الحصص النظامية.

3. كم تستغرق إجراءات التحقيق في التستر؟

تستغرق من 30 إلى 90 يومًا، حسب تعقيد القضية.

4. هل يُمكن الطعن في حكم التستر؟

نعم، عبر المحكمة التجارية، ثم المحكمة العليا.

5. هل يُمكن للوافد تقديم بلاغ ضد مُتستر عليه؟

نعم، ويُشجع على ذلك، مع حماية هويته.

6. ما هو دور البنوك في كشف التستر؟

تُبلغ البنوك عن الحسابات التي تُظهر تحويلات مشبوهة للوافدين.


خلاصة: التستر تهديد اقتصادي يجب مواجهته

في الختام، يُعد التستر التجاري تهديدًا مباشرًا للاقتصاد السعودي، لأنه يُقلل من فرص العمل للمواطنين، ويُضعف الثقة في بيئة الأعمال، ويُسبب خسائر مالية كبيرة للدولة. ولذلك، اتخذت المملكة خطوات جادة لمكافحته، من خلال نظام صارم، عقوبات رادعة، ومنصات إلكترونية للإبلاغ.

ومع استمرار التوعية القانونية، وتشجيع الاستثمار المشروع، يمكن القضاء على هذه الظاهرة، وبناء اقتصاد شفاف ومستدام.

موضوع مهم كيفية تأسيس الشركات في السعودية

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

اتصل الآن واستفسر عما تريد